سورة الأعراف - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)}
{فدلاهما} أي حطهما عن درجتهما وأنزلهما عن رتبة الطاعة إلى رتبة المعصية فهو من دلى الدلو في البئر كما قاله أبو عبيدة وغيره. وعن الأزهري أن معناه أطمعهما. وأصله من تدلية العطشان شيئًا في البئر فلا يجد ما يشفي غليله. وقيل: هو من الدالة وهي الجرأة في فجرأهما كما قال:
أظن الحلم دل على قومي *** وقد يستجهل الرجل الحليم
فأبدل أحد حرفي التضعيف ياء {بِغُرُورٍ} أي بما غرهما به من القسم أو متلبسين به، فالباء للمصاحبة أو الملابسة. والجار والمجرور حال من الفاعل أو المفعول. وجعل بعضهم الغرور مجازًا عن القسم لأنه سبب له ولا حاجة إليه، وسبب غرورهما على ما قاله غير واحد أنهما طنا أن أحدًا لا يقسم بالله تعالى كاذبًا ورووا في ذلك خبرًا. وظاهر هذا أنهما صدقا ما قاله فأقدما على ما نهيا عنه. وذهب كثير من الحققين أن التصديق لم يوجد منهما لا قطعا ولا ظنًا، وإنما أقدما على المنهي عنه لغلبة الشهوة كما نجد من أنفسنا أن نقدم على الفعل إذا زين لنا الغير ما نشتهيه وإن لم نعتقد أن الأمر كما قال. ولعل كلام اللعين على هذا من قبيل المقدمات الشعرية أثار الشهوة حتى غلبت ونسي معها النهي فوقع الإقدام من غير روية، وقال القطب: يمكن أن يقال إن اللعين لما وسوس لهما بقوله: {مَا نهاكما} [الأعراف: 20] إلخ فلم يقبلا منه عدل إلى اليمين على ما قال سبحانه: {وَقَاسَمَهُمَا} [الأعراف: 21] فلم يصدقاه أيضًا فعدل بعد ذلك إلى شيء آخر وكانه أشار إليه سبحانه بقوله تعالى: {فدلاهما بِغُرُورٍ} وهو أنه شغلهما باستيفاء اللذات حتى صارا مستغرقين بها فنسي النهي كما يشير إليه قوله تعالى: {فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] وجعل العتاب الآتي على ترك التحفظ فتدبر.
{فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة} أي أكلا منها أكلًا يسيرًا {بَدَتْ لَهُمَا سَوْءتُهُمَا} قال الكلبي: تهافت عنهما لباسهما فأبصر كل منهما عورة صاحبه فاستحيا {وَطعفقَا} أخذا وجعلا فهو من أفعال الشروع وكسر الفاء فيه أفصح من فتحها وبه قرأ أبو السمال {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} أي يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة، وأصل معنى الخصف الخرز في طاقات النعال ونحوها بءلصاق بعضها ببعض. وقيل أصله الضم والجمع {عَلَيْهِمَا} أي على سوآتهما أو على بدنهما ففي الكلام مضاف مقدر. وقيل: الضمير عائد على {سَوْءتِهِمَا}.
{مِن وَرَقِ الجنة} وكان ذلك بعض ورق التين على ما روي عن قتادة. وقيل: الموز. وقرأ الزهري {يَخْصِفَانِ} من أخصف، وأصله خصف إلا أنه كما قال الجاربردي نقل إلى أخصف للتعدية، وضمن الفعل لذلك معنى التصيير فصار الفاعل في المعنى مفعولًا للتصيير على أصل الفعل فيكون التقدير يخصفان أنفسهما أي يجعلان أنفسهما خاصفين عليهما من ورق الجنة فحذف مفعول التصير.
وجوز بعضهم كون خصف وأخصف عنى. وقرأ الحسن {يَخْصِفَانِ} بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الصاد من ازفتعال، وأصله يختصفان سكنت التاء وأدغمت ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين. وقرأ يعقوب بفتحها. وقرئ {يَخْصِفَانِ} من خصف المشدد بفتح الخاء وقد ضمت اتباعًا للياء وهي قراءة عسرة النطق.
{وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} بطريق العتاب والتوبيخ {أَلَمْ أَنْهَكُمَا} تفسير للنداء فلا محل له من الإعراب أو معمول لقول محذوف أي وقال أو قائلًا: ألم أنهكما {عَن تِلْكُمَا الشجرة} إشارة إلى الشجرة التي نهيا عن قربانها. والتثنية لتثنية المخاطب. {وَأَقُل لَّكُمَا} عطف على {أَنْهَكُمَا} أي ألم أقل لكما {إِنَّ الشيطان لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} أي ظاهر العداوة، وهذا على ما قيل: عتاب وتوبيخ على الإغترار بقول العدو كما أن الأول عتاب على مخالفة النهي. ولم يحك هذا القول ههنا، وقد حكي في سورة طه (117) بقوله سبحانه: {إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} الآية و{لَّكُمَا} متعلق بعدو لما فيه من معنى الفعل أو حذوف وقع حالا منه.
واستدل بعضهم بالآية على أن مطلق النهي للتحريم لما فيها من اللوم الشديد مع الندم والاستغفار المفهوم مما يأتي. والأكثرون على أن النهي هنا للتنزيه وندمهما واستغفارهما على ترك الأولى وهو في نظرهما عظيم وقد يلام عليه أشد اللوم إذا كان فاعله من المقربين.


{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)}
{قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} أي ضررناها بالمعصية، وقيل: نقصناها حظها بالتعرض للإخراج من الجنة، وحذفا حرف النداء مبالغة في التعظيم لما أن فيه طرفًا من معنى الأمر. {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا} ذلك بعدم العقاب عليه {وَتَرْحَمْنَا} بالرضا علينا، وقيل: المراد وإن لم تستر علينا بالحفظ عما يتسبب نقصان الحظ وترحمنا بالتفضل علينا بما يكون عوضًا عما فاتنا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} جواب قسم مقدر دل على جواب الشرط السابق على ما قيل. واستدل بالآية على أن الصغائر يعاقب عليها مع اجتناب الكبائر إن لم يغفر الله تعالى. وذهبت المعتزلة إلى أن اجتناب الكبائر يوجب تكفير الصغائر وإن لم يتب العبد منها، وجعلوا لذلك ما ذكر هنا جاريا على عادة الأولياء والصالحين في تعظيمهم الصغير من السيآت وتصغيرهم العظيم من الحسنات فلا ينافي كونهما مغفورًا لهما، والكثير من أهل السنة جعلوه من باب هضم النفس بناء على أن ما وقع كان عن نسيان ولا كبيرة ولا صغيرة معه. وادعى الإمام أن ذلك الإقدام كان صغيرة، وكان قبل نبوة آدم عليه السلام إذ لا يجوز على الأنبياء عليهم السلام بعد النبوة كبيرة ولا صغيرة، والكلام في هذه المسئلة مشهور.


{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)}
{قَالَ} استئناف كما مر مرارًا {اهبطوا} المأثور عن كثير من السلف أنه خطاب لآدم وحواء عليهما السلام وإبليس عليه اللعنة، وكرر الأمر له تبعًا لهما إشارة إلى عدم انفكاكه عن جنسهما في الدنيا أو أن الأمر وقع مفرقًا وهذا نقل له بالمعنى وإجمال له كما في قوله تعالى: {وَمَعِينٍ يأَيُّهَا الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} [المؤمنون: 51] وقيل: إن الأمر بالنسبة إلى اللعين غير ما تقدم فإنه أمر له بالهبوط من حيث وسوس. واختار الفراء كونه خطابًا لهما ولذريتهما وفيه خطاب المعدوم، وقيل: إنه لهما فقط لقوله سبحانه: {قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا} [طه: 123] والقصة واحدة، وضمير الجمع لكونهما أصل البشر فكأنهم هم. ومن الناس من قال: إن مختار الفراء هو هذا، وقيل: إنه لهما ولابليس والحية. واعترض وأجيب بما مر في سورة البقرة، والظاهر من النظم الكريم أن آدم عليه السلام عاجله ربه سبحانه بالعتاب والتوبيخ على فعله ولم يتخلل هناك شيء، ونقل الأجهوري عن حجة الإسلام الغزالي أنه عليه السلام لما أكل من الشجرة تحركت معدته لخروج الفضلة ولم يكن ذلك مجعولًا في الجنة في شيء من أطعمتها إلا في تلك الشجرة فلذلك نهي عن أكلها فجعل يدور في الجنة فأمر الله تعالى ملكًا يخاطبه فقال له: أي شيء تريد يا آدم؟ قال: أريد أن أضع ما في بطني من الأذى فقال له: في أي مكان تضعه أعلى الفرش أم على السرر أم في الأنهار أم تحت ظلال الأشجار هل ترى هاهنا مكانًا يصلح لذلك؟ ثم أمره بالهبوط وأنا لا أرى لهذا الخبر صحة، ومثله ما روي عن محمد بن قيس قال: إنه عليه السلام لما أكل من الشجرة ناداه ربه يا آدم لم أكلت منها وقد نهيتك؟ قال: أطعمتني حواء فقال سبحانه: يا حواء لم أطعمتيه؟ قالت أمرتني الحية فقال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس فقال الله تعالى: أما أنت يا حواء فلأُدْمِينَّك كل شهر كما أدميت الشجرة. وأما أنت يا حية فأقطع رجليك فتمشين على وجهك وسيشدخ وجهك كل من لقيك. وأما أنت يا إبليس فملعون.
{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} في موضع الحال من فاعل {اهبطوا} وهي حال مقارنة أو مقدرة، واختار بعض المعربين كون الجملة استئنافية كأنهم لما أمروا بالهبوط سألوا كيف يكون حالنا؟ فأجيبوا بأن بعضكم لبعض عدو، وأمر العداوة على تقدير دخول الشيطان في الخطاب ظاهر، وأما على تقدير التخصيص بآدم وحواء عليهما السلام فقد قيل: إنه باعتبار أن يراد بهما ذريتهما إما بالتجوز كإطلاق تميم على أولاده كلهم أو يكتفي بذكرهما عنهم، واختار بعضهم كون العداوة هنا عنى الظلم أي: يظلم بعضكم بعضًا بسبب تضليل الشيطان فليفهم.
{وَلَكُمْ فِى الارض مُسْتَقَرٌّ} أي استقرار أو موضع استقرار فهو إما مصدر ميمي أو اسم مكان. وجوز أن يكون اسم مفعول عنى ما استقر ملككم عليه وجاز تصرفكم فيه. ولا يخفى أنه خلاف الظاهر ومحتاج إلى الحذف والإيصال، واللفظ في نفسه يحتمل أن يكون اسم زمان إلا أنه غير محتمل هنا لأنه يتكرر مع قوله سبحانه: {ومتاع} أي بلغة {إلى حِينٍ} يريد به وقت الموت، وقيل: القيامة وتجعل السكنى في القبر تمتعًا في الأرض أو يقال: معنى {لَكُمْ} لجنسكم ولمجموعكم، والظرف قيل: متعلق تاع أو به وستقر على التنازع إن كان مصدرًا. وقيل: إنه متعلق حذوف وقع صفة لمتاع.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11